الثابت الوحيد في المتحرّك السوري على مختلف المستويات هو أنّ عامل الوقت عامل سلبي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والقتل والفوضى والتفكك ولا يفيد إلا أولئك الذين استخدموا سوريا كورقة أو كساحة. لقد كان من الواضح أنّ الوقت هو الشيء الوحيد الذي يراهن عليه الأسد وحلفاؤه في إيران وروسيا، لكنّ الاوّل أضطر إلى بيع سوريا "مفروشة" كما يقال إلى نظام الملالي وموسكو، وبالرغم من أنّه لم يعد يملك أصلاً قرار نفسه إلا أنّ هؤلاء يستخدمونه اليوم للمساومة على مزيد من المطالب في مرحلة ما بعد الأسد.
لا شك أنّ هذا السياق مفهوم، لكن ما هو غير مفهوم لماذا لا تزال الدول الأكثر تضرراً من الملف السوري تلتزم السقف الأمريكي الذي أصبح مائلاً بقوّة شديدة نحو روسيا وإيران. هذا حقيقة تثير علامات تعجّب كبيرة. صحيح أنّ المملكة وتركيا كانتا قد حاولتا خلال مرحلة سابقة التمرّد على الموقف الأمريكي من خلال بعض المواقف النادرة لكنّهما لم يتخطيا الأقوال إلى أفعال.
الجانب الأمريكي لمصالح خاصة به يحاول أن يتفاهم مع روسيا وإيران في سوريا بمعزل عمّا يريده الأتراك والسعوديون وغيرهم من الدول التي وقفت ولا تزال إلى جانب الثورة السورية. من الممكن لنا أن نفهم (دون أن نتفهّم) الجزئية المتعلقة بالمصالح الأمريكية على اعتبار أنّ سوريا ليست في غاية الأهمية بالنسبة إلى إدارة أوباما وأنّه من الأفضل للأخير أن يستخدمها كورقة لتحسين علاقاته مع موسكو وطهران بدلاً من أن تكون ساحة للتصارع من هذه الدول وأن تطلب ذلك أيضاً التنازل عن كل ما تعنيه سوريا لحلفاء أمريكا في المنطقة.
لكن الجزئية غير المفهومة من الطرح الأمريكي تكمن في إصرار إدارة أوباما على تكرار التجارب الخاطئة المدمّرة التي ارتكبت في العقود الماضية وعمادها نظريّة أنّ من كان السبب في أصل المشكلة يجب أن يكون جزءاً من الحل أيضاً وإلا فلن يتم التمكن من حل المشكلة.
هذه النظرية تمّ اختبارها مراراً وتكراراً في العالم العربي الذي تحوّل إلى حقل تجارب على ما يبدو. لطالما سمعنا أنّه لا يمكن حل المشاكل في لبنان وفي العراق وفي اليمن وفي غيرها من المناطق التي تشعل إيران النيران فيها إلا بمشاركتها. مصدر هذه الدعاية لم يكن الجانب الإيراني، وإنما الجانب الأمريكي!
جميعنا يذكر جيّداً كيف روّجت واشنطن لمثل هذا المفهوم لتبرير صفقاتها الثنائية مع طهران في العراق، لقد قالوا لنا إنّه لا يمكن حل الشكلة العراقية من دون مشاركة إيران، أين وصل العراق بعد عقد من الزمان على هذه المقولة؟ أنتهى الأمر بتسليم العراق إلى إيران بشكل كامل، وتحوّله إلى دولة فاشلة مقسّمة على الأرض متصارعة تنخرها الصراعات الطائفية وينهبها عملاء إيران من السياسيين ورجال الدين ويوفظّون قدراتها في مشاريعهم الإقليمية.
تحت هذه النظرية، تمّ تشريع الاحتلال الإيراني السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري للعراق، والمفارقة أنّ نفوذ واشنطن في هذه المعادلة أخذ بالتراجع بموازاة الصعود الإيراني، ومؤخراً بدأنا نشهد مطالبات بتعزيز النفوذ الروسي في العراق!
نفس المعادلة يراد تكرارها في سوريا، والغريب أنّ من يدفع باتجاهها أيضاً هو نفس اللاعب الذي دفع العراق إلى الوضع الحالي، أي إدارة أوباما. هذه الإدارة التي لم تنجح في أي شيء على الإطلاق في الشرق الأوسط باستثناء الاتفاق النووي مع الجانب الإيراني وهو نجاح بمعيار إدارة أوباما لكننا لن ولم ننتظر طويلاً حتى نرى تداعياته الكارثية على المنطقة.  أوباما نفسه كان يرى في العام 2010 أنّ العراق هو نموذج لنجاحاته الإقليمية، وهو نفسه الذي قدّم اليمن على أنّه تجربة ناجحة لما فعلته الولايات المتّحدة، والجميع يعلم ما حصل ويحصل في هذين البلدين.
كما أصبح معلوماً، فقد أصر الجانب الروسي في تصريحات لوزير الخارجية لافروف على ضرورة أن تكون إيران حاضرة في الاجتماعات المعنيّة بسوريا على الرغم من أنّه الدولة الوحيدة التي لم تشارك ولم توافق على مخرجات جنيف-1. وعلى الرغم من معارضة السعودية مثل هذا الأمر، حضرت إيران ليس بفعل الإصرار الروسي وإنما بفعل القرار الأمريكي. إدارة أمريكا للملف السوري ستدمّر البلد بشكل تام، التزام تركيا والسعودية بالشقف الأمريكي يجعل مهمة روسيا وإيران سهلة وفي نفس الوقت لا يتم تحقيق أي شيء للشعب السوري ولا لمصلحة تركيا والسعودية وهو ما يتطلب حقيقة مساراً مختلفا عن المسار المهترئ الذي يتم رسمه الأن خارج سوريا ودون مشاركة الشعب السوري.
علي حسين باكير

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top