المواد المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع ...

الكاتب : جيفري وايت
تاريخ النشر : 21.10.2015

ناقش الجزء الأول التدخل الروسي في سورية مسألة تراجع القدرات الروسية العسكرية وأثرها على سياسات الكرملين في سورية ودول الجوار، وفي الجزء الثاني هذا سيتم مناقشة التداعيات العسكرية للتدخل الروسي في سورية.
تشير التقارير، بما فيها تلك المنسوبة إلى الحكومة الأمريكية وأجهزتها الاستخباراتية، أن روسيا تعمل حالياً على بناء قوة مشتركة للتدخل السريع لشن حملات جو-أرض في محافظات اللاذقية وطرطوس على طول الساحل الشمالي الغربي، تتجاوز بكثير نطاق الدور الذي لطالما اضطلعت به روسيا على مستوى إمدادات الأسلحة والاستشارة. مما يعني تتغير قواعد اللعبة في ساحة الحرب. وعلى الرغم من إمكانية وقوع خسائر في صفوف هذه القوات وتورطها في الحرب السورية، إلا أن موسكو قد ترضى بتلك العواقب الوخيمة وتعتبرها ثمناً لقاء إبقاء نظام الأسد في السلطة وإحباط عزيمة واشنطن.
ومن المرجّح أن تكون روسيا قد اتّخذت قرار التدخل بالتعاون مع طهران التي تعزّز دعمها العسكري لصالح نظام الأسد. فالانتشار العسكري في سورية يشبه السيناريو الذي اعتمدته روسيا للسيطرة على شبه جزيرة القرم عام 2014. ففي البداية، تتّخذ روسيا خطوات استباقية غامضة ومكتسية بتصريحات قيادية غير واضحة الأهداف، مقرونة ببناء تدريجي للقوات، ومستفيدة من الغطاء الذي تؤمنه لها النشاطات والمنشآت الروسية الموجودة سابقاً في سورية. وقد استعانت موسكو بسفنها (بما فيها سفن الإنزال البحرية) إلى جانب 15 طائرة نقل (من طراز "أي إن- 124" /"الكندور" و "آي إل-62") من أجل إرسال أسلحة جديدة وقوات عسكرية إضافية إلى البلاد. وقد استخدمت تلك الطائرات مسارات جوية متعددة من روسيا إلى اللاذقية، وتواصل موسكو نشاطاتها الجوية تحت غطاء بعثات المساعدات الإنسانية.
تشمل المعدات والأسلحة المركبات القتالية (6 دبابات من طراز "تي -90" و35 ناقلة جنود مدرعة)، و15قطع مدفعية، وشاحنات عسكرية ومركبات رباعية الدفع، ووحدات المساكن الجاهزة (لحوالي 1500 شخص)، ومركز متنقل لمراقبة الحركة الجوية. وأشارت الصور الفوتوغرافية الملتقطة عبر الأقمار الصناعية التجارية الى الجهود المبذولة لتوسيع مطار باسل الأسد. وفي ظل الوضع الراهن، قد تتمكن روسيا من الوصول إلى المطار وإلى موانئ اللاذقية وطرطوس لدعم عملياتها القائمة.
كما تشير بعض التقارير أيضاً إلى تمركز عناصر من "لواء المشاة البحرية الروسية رقم 363" في سورية. ووفقاً لمصادر نُسبت إلى الحكومة الأمريكية، تسعى روسيا أيضاً إلى نقل نظام صواريخ أرض-جو متطوّرة من طراز "أس أي - 22" ومركبات جوية مقاتلة (طائرات مقاتلة، وطائرات القصف) إلى البلاد. وباختصار، يدل الانتشار العسكري على مساعٍ روسية قيد التخطيط لتنظيم قوة مشتركة للتدخل السريع.
وستتضح معالم المهمة الروسية (سواء الهجومية منها، أو الدفاعية، أو التدريبية، أو الاستشارية) عند تحديد حجم القوات الروسية وأنواعها. فوصول طائرات القصف، إلى جانب وجود دبابات القتال الروسية من طراز "تي -90" وفقاً لما أفادت به التقارير، يشكل دليلاً إضافياً على وجود نيّة هجومية لدى روسيا. وأيّاً كانت المهمة، فمن المتوقع أن تعزّز روسيا قدراتها الاستخباراتية ومنظومات القيادة والتحكم الذكية التي تملكها.

تداعيات التدخل الروسي على سورية
1.        تتعاون القوات القتالية الروسية مع قوات نظام الأسد، معززة بالتالي القوة النارية والدعم الجوي والفاعلية القتالية لصالح النظام.
2.        قد يساهم توفير التدريبات والأدوار الاستشارية في تعزيز المهارات العسكرية للوحدات السورية.
3.        ويمكن للقوات الروسية أن تقوم بمهام قتالية مستقلة ضد أهداف مهمة.
4.        منح نظام الأسد ميزة حاسمة في ميادين القتال التي تعمل فيها قواته، ما يسمح للنظام السيطرة على مراكز حيوية أو بسط نفوذه عليها واستنزاف موارد الثوّار البشرية والعسكرية استنزافاً مضاعفاً.
5.        قد يساهم تواجد روسيا على أرض المعركة في رفع معنويات قوات النظام بصورة ملحوظة، ويبث الذعر في الوقت نفسه في نفوس قوات الثوّار.
6.        وقد يتسبب الثوّار بوقوع بعض الخسائر في صفوف الوحدات الروسية، إلا أنهم عاجزين إلى حد كبير عن إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية في معارك حاسمة، على الرغم من الآمال التي يضعها أولئك الذين يستذكرون تجربة موسكو في أفغانستان.
تداعيات التدخل الروسي على إسرائيل
قد يقوّض التدخل الروسي إلى حد كبير من العمليات الجوية الإسرائيلية فوق سورية ولبنان. وعلى وجه الخصوص، مع وجود طائرات حربية وأنظمة دفاع جوي روسية مأهولة، فقد تضطر إسرائيل إلى إعادة النظر في عمليات القصف الجوية على المناطق التي تنتشر فيها القوات الروسية، وقد تُمكِّن بالتالي إيران أو حتى موسكو من تزويد نظام الأسد و"حزب الله" بترسانة أكثر تطوّراً. وإذا وسّعت القوات الجوية وقوّات الدفاع الجوي الروسية وجودها خارج النطاق الساحلي، وهي خطوة محتملة، قد يتضاعف خطر الانخراط في اشتباكات مع أي طائرة إسرائيلية دخيلة.
التداعيات على تركيا
قد يعزّز التدخل العسكري الروسي المتزايد لصالح نظام الأسد التحالف الأمريكي-التركي في سورية بصورة أكثر فأكثر. وقد تضطر تركيا إلى الاصطفاف، بشكل وثيق، إلى جانب سياسة الولايات المتحدة في سورية بهدف تجنّب أي احتكاك عسكري ضد روسيا على أرض المعركة.
التداعيات على الولايات المتحدة
1.        قد يعرقل وجود القوات القتالية الروسية العمليات الجوية للتحالف الدولي -الأمريكي. على الرغم من أنّ معظم تلك العمليات الجوية تتم بعيداً عن المناطق الساحلية التي تنتشر فيها القوات الروسية.
2.        بالرغم من أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يشكل الهدف الأساسي لأية حملة عسكرية تدعمها الولايات المتحدة، إلا أن ميادين القتال المتشابكة في سورية غالباً ما تجمع الثوّار وعناصر التنظيم وقوات نظام الأسد في ساحة واحدة، بحيث يقومون بتنفيذ عملياتهم بالقرب من بعضهم بعضا.
3.        وفي ظل الظروف الراهنة، قد تسبب العمليات الروسية الداعمة لقوات نظام الأسد بشن هجوم على القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، سواء عن قصد أو دون قصد. وقد تشكل محافظتا درعا وحلب منطقتين رئيسيتين لمثل هذه الاشتباكات، أي منطقة تواجد الثوار الذين يشكلون تهديداً مباشراً لنظام الأسد.
ختاماً، رغم غموض مجال التدخل الروسي في سورية، إلا أنّ أبعاداً كبيرة تلوح في الأفق؛ قلب المعادلة العسكرية لصالح نظام الأسد لإعادة تمكينه وتسجيل هدف على حساب واشنطن في آن.
ولأن معظم جهات المعارضة الفاعلة لا تريد الانخراط في معركة عسكرية ضد روسيا، فقد تضطر إلى التفاوض بشأن حل سياسي بدلاً من حل عسكري. وطالما يحظى نظام الأسد بدعم الكرملين من خلال قواته العسكرية على أرض سورية، فإن احتمال إقصاء الأسد من منصبه يتضاءل أكثر فأكثر.
أما موقف الولايات المتحدة وحلفاؤها فإنه لن يذهب إلى الانخراط في مواجهة عسكرية مع روسيا، ومن المحتمل أن لا تكون الأدوات السياسية التقليدية (الاحتجاجات الدبلوماسية والعقوبات وإجراءات الأمم المتحدة) مُجدية أو قد يتم إحباطها من قبل روسيا. كما أن الغرب لم يبدِ أي رغبة حقيقية في مواجهة موسكو في مناطق أخرى تلوِّح بمخاطر اندلاع مواجهات عسكرية.
تاريخ النشر من المصدر : 15.09.2015
المصدر : معهد واشنطن 
الرابط: 

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

 
Syrian Revolution in Switzerland © 2018. جميع الحقوق محفوظة. اتصل بنا
Top