من مجزرة دوما التي ارتكبها النظام أمس ـ أرشيف
الاثنين 17 أغسطس / آب 2015
"مين مات اليوم؟! أغلبهم نفدوا من المجزرة الماضية يلي صارت بالسوق الأسبوع الماضي، الدروايش والمعترين وصحاب بسطات الخضرا والبقدونس والنعنع، والشحادين وبياعين الدخان والسكر المهرب من المخيم، وبياعين الخبز الأسمر وبياعين الطحين والعتّالة يلي بسوق الهال وشوفيرية العربايات يلي تسلخت جباههم من الشمس وتعبت ظهورهم من الدفش وزق البضايع، كل هدول ماتوا اليوم وارتاحوا".
بهذه الكلمات عبّر مصور وكالة رويترز "بسام الحكيم" عن فداحة ما جرى بدوما ليلة أمس، إذ قامت قوات النظام باستهداف المدينة بأكثر من 9 صواريخ فراغية متزامناً مع قصف مدفعي عليها، وسط تجمع شعبي كبير في سوق للخضار ما أدى إلى سقوط أكثر من 120 ضحية مع عشرات الضحايا مجهولي الهوية وما يزيد عن 350 جريحاً معظمهم في حالة خطرة بحسب الدفاع المدني المسؤول عن توثيق الضحايا في المدينة، الأمر الذي أحدث عجزاً طبياً في المركز الطبي الصغير في المدينة، حتى أن بعض الحالات توفيت نتيجة عدم تمكن الأطباء من علاجها بشكل فوري نتيجة الضغط الهائل في عدد الجرحى بحسب أحد الأطباء.
وقد دفن جميع الضحايا في مقبرة جماعية، ما أعاد إلى ذاكرة السوريين ضحايا مجزرة تفتناز، حتى باتت المدن في سورية تتنافس في توثيق أكبر المقابر الجماعية! و
لم يتوقف الأمر عند ساعة واحدة من استهداف المدينة بهذا الكم الهائل من القذائف، فالقصف العنيف استمر حتى المساء وكلما جاء رجل لإسعاف جريح أو دفن شهيد سقط هو الآخر ضحية! حتى بات أهالي المدينة يشيعون بعضهم بعضاً!
واتهم ناشطون وسياسيون سوريون النظام في سورية بشن حرب إبادة جماعية على المدينة متهمينه بالتطهير الطائفي وإمعانه في استهداف هذه الطبقة الفقيرة من السوريين التي لم يعد يعنيها شيء في الحياة سوى تأمين لقمة عيشها، جاء ذلك بعد مجازر عديدة قام بها النظام في الأيام الأخيرة في عدة مناطق في سورية في هجوم مباشر على الأسواق الشعبية كما حدث في إدلب وحلب ودرعا، وكما حدث الأسبوع الماضي في دوما نفسها من استهداف للسوق الشعبي في المدينة، وكأن ما يقوم به النظام بات ممنهجاً ليستبدل بهذا الشعب شعباً آخر، يساوم عليه من خلال اتفاقيات وهدن.
أما الأطباء فكانوا الفئة الأكثر انخراطاً في هذه المجازر، فمع كل مصاب حكاية، ومع كل ضحية غصة، يتحدث الطبيب باسل وهو أحد الأطباء في مدينة دوما عن انتشار الأطفال في هذه الأماكن المزدحمة ويروي قصة أحدهم لـ"السورية نت" قائلاً: "جاءني الأسبوع الماضي طفل مصاب في 12 من عمره، كان في غيبوبة، فطلبت من الممرض المساعد أن يخلع قميصه لأتمكن من معالجته، وإذ به يجد ما يزيد عن 10 علب من الدخان، تفاجأت به! وواظبت على علاجه حتى استفاق من غيبوبته، وسألته عن أمر هذه العلب فقال لي أبي مقعد من سنتين ومصاب، وأمي بتفتل كل يوم بالشارع لتدور على أكل، وأنا ببيع دخان لساعد أهلي بمصروف البيت"!
هذه هي الفئة التي يستهدفها النظام، فئة فقيرة من الشعب ربما لم يعد يعنيها من أمر هذه الحرب شيء.
أرغفة خبز مغطاة بالدماء، وخضار مبعثرة مع الأشلاء، وأطفال بلا رؤوس، ونساء غارقات بدمائهن، هي المشاهد التي طغت على يوم السوريين أمس، حتى بات بعضهم يناشد العائلات بعدم الخروج من بيتها نهائياً، إلا أن هذه الأسواق باتت المكان الوحيد لجلب حاجيات الأسر ومكان لإيجاد فرصة عمل لأرباب البيوت.
استنكار وغضب
وتزامناً مع هذه المجازر وحالة الغضب التي انتابت السوريين تصدرت وسومات مختلفة مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة من هؤلاء الناشطين لتسليط الضوء على مأساة المدينة منها "دوما تباد" "مجزرة دوما الكبرى" "دوما"
وشارك بهذه الوسومات إعلاميون عرب وناشطون ومدونون مستنكرين المجازر الممنهجة بحق السوريين، حيث كتب أحمد أبازيد "دوما تباد، لا ياسمين هناك، ولا موت أنيق، ولا ملثمون، ولا أقليات منتهكة، كل ما هناك عادي جدّاً، وخارج شروط نجاح الصورة، العاديون لا صخب لهم"
كما نشر فضل عبد الغني رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان على صفحته " مجزرة قانا 1996 قتلت إسرائيل 106 أشخاص، اليوم في دوما لوحدها أكثر من هذا العدد، عصابة احتلال داخلي حاقد تتفوق بمراحل على الاحتلال الخارجي، وتكمل ما عجز عنه".
بينما نشر الصحفي الفلسطيني برهان ياسين منشوراً قال فيه: "بتعرفوا شو المشترك بين مجزرة دوما اليوم، وتل الزعتر 1976، وحماة 1982، والحرم الابراهيمي 1994، وقانا 1996، والشجاعية 2008، وبيت حانون 2014؟ أنه كلنا حضرنا الصور، شفنا الدم، اهتمينا بالحدث كمشهد، ما سألنا عن قصص الشهداء، مين منهم معيل عيلته الوحيد، مين منهم طفل انتظروه أهله سنين لكبر قدامهم، مين اللي كان يحلم بربطة خبز ما يكون ثمنها رصاصة، الأم اللي تركت طفلين بلا مأوى إلا باب المسجد، العجوز اللي مات قبل ما يلاقي حبة دوا الضغط المفقودة من الحصار. لكل شهيد قصة واسم وحكاية، صدقوني إذا عرفناها ما رح نسمحلها تتكرر، بس إذا بقيت مشهد رح نألفها ونتعود عليها الأرقام ما لها قيمة، القيمة للإنسان".
بينما طالب آخرون المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالنظر إلى المجازر التي تحصل في سورية بحق مناطق محددة كما ينظر إلى مجازر تنظيم "الدولة الإسلامية"، وبتناول هذه الجرائم بشكل جدي، إذ نشرت الإعلامية رولا حيدر قائلة: "دوما تباد ومجلس الأمن خائف على انتهاكات داعش ضد المثليين، مجتمع دولي مقيت".
ونشر الصحفي في قناة الجزيرة منتصر مرعي في هذا الصدد قائلاً: "ماذا تختلف سكاكين وشظايا البراميل المتفجرة التي ألقاها النظام السوري على دوما اليوم عن سكاكين داعش؟ أما الأولى فليست بمقاييس الإعلام اليوم سبقاً صحفياً وإن نحرت هذه الشظايا 120 طفلاً وامرأة، وأما تلك فهي السبق والدراما والإثارة التي ترفع نسب المشاهدة، وتؤكد وحشية الاسلام وهمجية فعل يقترفه مجرمون باسم الدين"
وفي سياق متصل نشر الكاتب ماهر شرف الدين منشوراً قال فيه: "حين حصلت مجزرة شارلي إيبدو لم يبقَ مسؤول عربي إلا وركب طائرته إلى باريس لإعلان التضامن إنسانيون جداً المسؤولون العرب، إنسانيون إلى درجة أنهم ينسون التضامن مع الضحايا من شعوبهم"
أغمضت "دوما" عيونها يوم أمس على ما يزيد عن مئة ضحية ومئات الأنات للجرحى، لكن صفحة مجازر النظام لم تغلق بعد، يدل على ذلك كله الوعود والتهديدات التي تطلقها مواقع إعلامية تابعة له بإبادة كل من صرخ بحرية.
المصدر:
خاص ـ السورية نت

0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.